دور التصميم الهندسي في منع تشققات الابنية
د. أيوب أبو دية – إن طريقة تصميم البناء مسألة لا تقل أهمية عن
الإجراءات العملية التي يتم اكتسابها بالخبرة المتراكمة عبر تاريخ الشعوب،
إذ تساهم في حماية الأبنية من التشققات بناء على معرفة نظرية دقيقة هي من
نتاج الأبحاث العلمية الرصينة.
إن ربط الأساسات بالجدران والأعمدة الصاعدة بواسطة أسياخ من التسليح تزيد
البناء قوة، كذلك فإن تسليح الجدران بأسياخ التسليح يجعلها تقاوم أي تفاوت
في هبوط الأساسات فيتحرك البناء كوحدة واحدة. وهناك تشققات تحدث نتيجة طول
الأسقف والكمرات وسماكاتها، ولكن لا مجال للخوض فيها ههنا.
ثمة طرائق هندسية لربط المبنى ببعضه بعضا، وبخاصة إذا وجدت تسوية على جزء
من مساحة الطابق الأرضي والتي تعتبر إشكالية خطيرة في بعض الحالات،
وبالتالي فإنها بحاجة إلى دراسة مستفيضة أيضا، لأن ذلك الجزء من المبنى
الواقع على تربة سطحية يتصرف بطريقة مختلفة عن الجزء الآخر من المبنى الذي
يجثم على تربة أعمق.
وهناك حالات معقدة أخرى تؤدي إلى تشققات في الأبنية، منها تنوع خواص
التربة تحت الأساسات ووقوع جزء من البناء على صدع متحرك وما إلى ذلك.
وبالطبع، فإن هذه الحالات المعقدة تحتاج إلى دراسة هندسية أكثر عمقا
وتفصيلا.
وشكل المبنى له دور لا يمكن التقليل من شأنه في حدوث التشققات، إذ أن
الأبنية معقدة الشكل وغير المتناظرة تتشقق بسرعة أكبر وعنف أعظم إذا تعرضت
أساساتها للحركة غير المنتظمة، أو إذا تعرض المبنى لهزة أرضية على سبيل
المثال.
المواد المستخدمة في البناء في غاية الأهمية كذلك، سواء كانت من الخرسانة
أو الحجر أو الطوب أو الفولاذ. ولكل حالة من هذه الحالات جوانب هندسية
معينة يجب أخذها بعين الاعتبار في أثناء التصميم والتنفيذ معا. وبعض
المواد المستخدمة في الخلطات الخرسانية تساهم في تشقق الخرسانة كذلك.
ويفرض حجم المبنى شروطا خاصة من حيث التصميم الإنشائي ومن حيث وضع فواصل
التمدد، فكلما امتد البناء لمسافات أكبر كلما ازدادت القوى المؤثرة على
عناصره الإنشائية بفعل التمدد والتقلص الناجم عن تغير درجات الحرارة بين
الليل والنهار وبين الصيف والشتاء، فضلا عن أن نسبة الرطوبة في الجو ومياه
الأمطار والثلوج تساهم أيضا في تمدده، ومن ثم تقلصه عند جفافها.
وفي ضوء ما سلف فإن العوامل الجوية في الموقع المفترض لإقامة البناء ينبغي
أخذها بعين الاعتبار. فهناك درجة الحرارة وشدة الشمس واتجاه حركتها وزاوية
ارتفاعها عن الأفق، وشدة الرياح واتجاهها، وشدة الأمطار والثلوج
وديمومتها، وما إلى ذلك. وبالإمكان الانتفاع من هذه العوامل الجوية في
التصميم المعماري المناخي للبناء بدلا من التخوف منها، وبالتالي تسخيرها
لخدمة البناء، كأن يتم تصميم حجم النوافذ وأشكالها والمظلات من فوقها وعلى
جوانبها بحيث تسخر أشعة الشمس لتدفئة المنزل في فصل الشتاء، أو تحجب أشعة
الشمس عنه في المناطق الحارة.
وسوف نسعى للإجابة عن هذه المشكلات في مقام آخر ببعض من التفصيل، فيما
يمكن اعتبار ما ذكرناه إرشادات أولية لأصحاب الأبنية والمقاولين، ولكنه لا
يغني بأي حال من الأحوال عن التصميم والإشراف الهندسي التفصيلي وفقا
لكودات البناء الوطني وأنظمة الإشراف المعمول بها في الأردن.
ثم إن عدد طوابق البناء يساهم في زيادة الضغط على تربة الأساس ويعمل على
منع تحركها إلى أعلى إذا انتفخت التربة. وإذا شاء المالك يمكنه تأجيل
مشروعه للطوابق المتكررة الى أن يقوم بدراسة تصميم الأساسات وفقا لقوة
تحمل التربة القابلة للانتفاخ لتجنب حدوث تشققات في المبنى.